الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة غنت فيه لجون لينون وجيلبير بيكو: قراءة في الألبوم الغنائي الجديد لفيروز ''ببالي''

نشر في  17 جانفي 2018  (09:53)

في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي، احتفلت الست فيروز بعيد ميلادها الثاني والثمانين، لكنها لا تنفك عن العطاء. البومها الجديد يحمل عنوان ''ببالي''. ألبوم صدر أواخر شهر سبتمبر الماضي... لكنه إلى اليوم لم يحض بالبث والترويج المطلوبين. المخرجة والكاتبة ريما الرحباني التي تدير أعمال والدتها هي من رافقت سفيرتنا إلى النجوم في إعداد العمل فنيا ولوجيستيا. العمل من إنتاج شركة ديكا ريكوردز العالمية.

فيروز تغني جون لينون وجيلبير بيكو...

قبل طرح الألبوم كاملا على مواقع التسوق الالكتروني بشهرين، نشرت الصفحة الرسمية  للسيدة فيروز على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وعبر قناتها على اليوتوب مقاطع من أغنيتي ''يمكن" و"لمين''. الأولى هي النسخة العربية لأغنية جون لينون الملقب برسول المحبة والسلام والعضو المؤسس لفرقة بيتلز الأسطورية: ''تخيل'' التي تعود إلى سنة 1971.

أما الثانية فهي أغنية أداها الفرنسي جون كلود باسكال من ألحان جيلبر بيكو : ''لمن يسهر النجمُ؟'' تعود إلى سنة 1956، أغنية عبثية تُسائل الوجود ويتبدد معها المعنى... مهداة إلى روح عاصي الرحباني في ذكرى رحيله الحادية والثلاثين. وكلا الأغنيتين من ترجمة ريما الرحباني كجلّ أغنيات الشريط التي وزّعها البريطاني ستيف سيدويل.
الألبوم لم يبح بكل أسراره وابنة عاصي وفيروز تمتنع عن الإفصاح عن ظروف مخاضه في ظل غياب شقيقها زياد الرحباني عنه. بين الأم ونجلها قطيعة منذ نشوب خلاف بينهما بسبب زعيم المقاومة اللبنانية حسن نصر الله حيث صرح «الابن الضال» أن الست معجبة بـ''سيد المقاومة'' ما أثار حفيظة شقّ لا يستهان به من جمهورها.
استغرق إعداد هذا العمل الجديد لفيروز سبع سنين. إذ أن آخر أعمالها كان ألبوم «إيه فيه أمل» الذي ألف أشعاره وموسيقاه بكرها زياد... رافق صدورَ مقاطع مسموعة من الألبوم الجديد بثُّ أشرطة مصورة قصيرة جدا على اليوتوب وعلى صفحتي فيروز على فيس بوك: «فيروز» و''رح نبقى سوى''. صفحتان تديرهما ريما. وتحمل الكليبات المصغرة مشاهد لجارة القمر بصدد تسجيل أغنياتها في الأستوديو. مشاهد التقطتها كاميرا ريما التي بقيت وحدها تحرس الهيكل.
الألبوم الجديد إذن يحمل عشر أغنيات عالمية لفنانين ذاع صيتهم أمثال جون كلود باسكال - الذي أوصى بنثر جزء من رماد رفاته بخليج الحمامات حيث عاش لفترة - وبربارا سترايسند وتينو روسي  ولويس اماد وعازفة البيانو المكسيكية كونسوالو فالسكيز التي اقتبست لها فيروز نغم ''قبلني كثيرا» الذي يعود إلى الثلاثينات. التقت العملاقتان في «أنا وياك'' التي تُرجمت بحياء غير غريب عن نجمة جلّ أغانيها صلوات.

الصوت المعتّق

في أغنيتها «ما تزعل مني يا وطني» تقول سيدة الصباح... والمساء : «ما عاد في كفّي بحبسي الكبير، بدّي الحرية بدّي التغيير». الهرم الذي لا يعرف الهرم، الأيقونة التي تساءل بعضهم عمّ حل بها وعمّا أصابها، حنجرةٌ معتّقة لا تهاب المغامرة. وفعلا كأننا بسفيرة النجوم إلينا تركب الموج هذه المرة دون قبطان الفلتات السابقة. زياد الرحباني الذي سرّنا ذات يوم من خريف 1994 «أرجو أن تطلق فيروز بساطتها وعفويتها على غرار بيلي هوليداي» وهي مغنية جاز وبلوز جنزية أمريكية عاشت في أربعينات القرن الماضي. يبدو أن جرأة الست بلغت المنتهى في هذا الألبوم الجديد، الفريد من نوعه والمثير للجدل.
متجددة هي كالموج. فكما هزّت عرشها بيدها مع أشرطة اقترفها زياد:  «وحدهن» (1979)، «معرفتي فيك» (1987)، «كيفك انت'' (1991) و»فيه أمل» (2010)، هاهي هنا تسعى حيّة تتوق لأكثر حرية، تتوق للتغيير. 

ألبوم مفاجيء للجميع. ألبوم صادم للكثيرين. الأيقونة تأبى أن تكون «وحيدة وبعيدة» كما جاء في أغنية بمثابة طقس اعتراف كنسيّ، بل تودّ أن تنزل من عليائها وتمسّ مريديها ببساطة الكلام والنغم. فهل استسلمت الأم أخيرا إلى رؤية الابن الفذّ فتراءى لنا حضوره صارخا رغم الغياب بل عبرهُ.

ألبوم يسعد عشاق شاعرة الصوت لكنه موجع في عدة مفاصل منه :  في «بغير ديني'' تبكي فيروز - بين السطور - من تركوها ورحلوا : ''شو صاروا كتار اللي فلّوا، تركولي خوفي والحنين''، وفي «ببالي» تستحضر «ذكريات ملوّنة وضبابيّة» و»صورا مصفرة وممحية» فتتأرجح بين التمسك بما كان والرغبة في النسيان، و في ''حكايات'' تعترف بل قُل إنها تعتذر : ''صحيح إني ما حكيت... كل اللي قلتو كان بالغنية». ألم تعتبر طوال مسيرتها أن أعمالها أبلغ؟ اذ هي تتحدث مكانها فشحت مقابلاتها الصحفية وإطلالاتها الإعلامية. وتماما كما أفصحت سابقا في «أغنية الوداع» : أنا لو منكم ما كنت بغني»، هاهي في عدد من أغنيات ألبوم ''ببالي» تأتمننا على ما يشبه الوصية.

كلمات أغنية ''حكايات كتير"

اقتباس لـ ''أنا عملت طريقي" لفرانك سينترا
ترجمة ريما عاصي الرحباني

واليوم بعد ما عشت حكايات كتير
صارت بعيدة
قديه فرحت وحزنت 
والنهايات مش دايما سعيدة
صحيح اني ما حكيت
وكل اللي قلتو كان بالغنية
الكلام لشو الكلام 
هايدي حياتي
سافرت، برمت كتير
انا اللي غنيت بكل المسارح
صحيح بالاخر فليت
وصدى صوتي ساكن المطارح
وجوه الناس صارت ممحية
ذكرى وحنين كإنو مبارح
وحب الناس اللي كانوا هون لون حياتي
مرات كتير خفت وبكيت 
ما قدرت فلّ لهيك بقيت
ندم لشو؟ ما بعمرو فال
قصص بتروح وما بتنقال
قصص وصوات شو كانوا كتار، ملوا حياتي
ولا يوم قدرت عيش حياة تانية برات الغنية
حياتي عشتا وما عشتا تمرق قدامي كإنا خبرية 
اشياء كتير ما قدرت قلتا وبقيت جواتي : نايمة ومنسية
لوحدي مشيت واجهت الكل، كفيت حياتي 
ايام كتير بكيت وصليت
انا وحالي، وحدي احتجيت 
مش كل شي صار كان دايما بإيدي
بس رغم هايك انا اكيدة
اني امنت وما استسلمت وعشت حياتي
... هايدي حياتي.

بقلم : أنور الطرابلسي